تجاوز دور منظمة الأمم المتحدة في نكبة حلب الدور التقليدي لها الذي اشتهرت به والمعروف بالإدانة وإبداء القلق، إلى دور التغطية الكاملة للجرائم الفظيعة التي يرتكبها الطيران الروسي والمجازر الوحشية التي تقترفها عصابات نظام الطاغية بشّار ومليشيات إيران الطائفية المتعطشة لسفك الدماء، ومع علمها اليقيني بأنّ جرائم روسيا والنظامين السوري والإيراني في حلب هي جرائم ضد الإنسانية ترقى إلى مستوى جرائم حرب تستوجب المحاسبة والعقاب، إلاّ أنّ الأمم المتحدة لم تُطالب بمحاسبتهم عليها، وإنّما تُطالب فقط بوقفها، وحتى هذه المطالبة تأتي من باب ذر الرماد في العيون، فقال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له إنه: "منذ إعلان الجيش السوري عن القيام بعملية هجومية للسيطرة على شرق حلب قبل يومين، تكرر ورود تقارير عن حدوث قصف جوي باستخدام أسلحة حارقة وقذائف متطورة مثل القنابل الخارقة للتحصينات"، فهويعلم إذاًباستخدام الطيران الروسي والسوري أسلحة غير تقليدية في قصف حلب، ومع ذلك فهو لم يُطالب بمعاقبة روسيا والنظام السوري على هذا القصف غير التقليدي الذي يُعتبر وفقاً لقوانين الأمم المتحدة نفسها جريمة حرب، وكل ما فعله أنّه دعا الدول الكبرى إلى: "بذل جهد أكبر لوضع حد للكابوس في سوريا"، وتساءل: "إلى متى سيسمح جميع من لهم تأثير في النزاع السوري باستمرار هذه الوحشية؟" فهو أكّد على تلقيه "تقارير فظيعة" عن معاناة المدنيين في حلب جراء هذا القصف، وقال: "أصبحت حلب مرادفاً للجحيم، ونحن جميعاً خذلنا شعب سوريا"، وبناءً عليه فهو يعلم قطعياً بوقوع هذه الجرائم الفظيعة في حلب، ولكنه مع ذلك لا يُطالب بالمحاسبة عليها، ويكتفي فقط بالمطالبة ببذل الدول الكبرى لجهود أكبر لإيقافها!
إن ما يؤكد علم الأمم المتحدة بالجناة الذين ارتكبوا هذه المجازر الوحشية هو ما جاء في تقرير مبعوثها دي ميستورا الذي عرضه على مجلس الأمن والذي ورد فيه: "لدينا تقارير وفيديوهات وصور عن استخدام قنابل حارقة تنتج كرات لهب هائلة بدرجة تضيء الظلام الحالك في شرق حلب كما لو كان نهارا"، وأضاف: "إنّ التحري عن العدد الدقيق للغارات الجوية التي يتم معظمها في الليل أمر غير ممكن"، وتابع: "سمعنا عبارة (لا مثيل له) سواء فيما يتعلق بالعدد أو حجم ونوع القصف"، وأوضح: "المدنيون في كل مكان بالمدينة يسألون أنفسهم أي مكان على الأرض في هذه المدينة المعذبة من الممكن أن يكون آمناً"، فدي ميستورا إذاً لديه تقارير مُوثقة بالجرائم ولكن ينقصه فقط عدد الغارات الدقيقة، فالدليل موجود لديه ولكن العقوبة غير واردة عنده، بل إنّه لم يقم حتى بالإدانة، وبدلاً من ذلك فهو يقوم بتخويف الشعب السوري من مغبة الاستمرار في مقاومة النظام، ويتنبأ لهم بالمزيد من النكبات إنْ هم استمروا بالثورة فيقول: "إدلب الوجهة التالية للجيش بعد حلب"، وهو مع علمهاليقيني بقيام الطيران الروسي وطيران النظام بغارات كثيرة استخدم فيها قنابل حارقة مُضيئة لا مثيل لها - كما وصف - يعود وبكل صفاقة ليبرئ روسيا والنظام من ارتكاب تلك المجازر التي وقعت في حلب فيقول: "لا يوجد دليل وفق الأمم المُتحدة على أنّ الجثث في شوارع حلب سقطت بنيران النظام".
وأمّا الجامعة العربية فدورها البائس المعروف في مثل هذه الحالات لم يتغير، ولم يزد عن استخدام أسطوانة التنديد والإدانة المشروخة التي اعتادت على استخدامها، فأدانت الجامعة ما يجري في حلب، وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقيام بدورهما في وقف عمليات القتل التي تعرضت لها المدينة، فقال أمينها العام أحمد أبو الغيط: "ندين بشدة عمليات القتل التي تعرّض لها المدنيون في مدينة حلب السورية على مدى الأيام الأخيرة جراء القصف الجوي الوحشي، وما تبعه من عمليات عسكرية شرقي المدينة تكرس انهيار وقف إطلاق النار الذي سبق أن تم التوصل إليه"، وطالب مجلس الأمن الدولي بـ"الاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية وإلزام جميع الأطراف ذات الصلة بالعمل على التوصل إلى وقف فوري وحقيقي لإطلاق النار يسمح بإغاثة وإنقاذ آلاف المدنيين الأبرياء"، وتم الاتفاق على عقد اجتماع (غير عادي) لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية يوم الاثنين 19/12 من الشهر الجاري لمناقشة الوضع في حلب!.
هذا أقصى ما تستطيع الجامعة فعله، وهو الإدانة وعقد الاجتماعات ومطالبة المجتمع الدولي، وبذلك تكون الجامعة العربية شريكة فعلية إلى جانب الأمم المتحدة في تغطية الجرائم المنكرة للروس ونظام الطاغية بشار وداعميه من مرتزقة إيران في حلب، فبئست هذه الجامعة الفاشلة التي تعكس بدقة هذا العجز العربي الرسمي، وبئست قراراتها.
إنّ هذه الأدوار القذرة المتكرّرة لمنظمة الأمم المتحدة وللجامعة العربية في تغطية جرائم قوى البغي والعدوان والطغيان في حلب وفي سائر بلدان المسلمين، لا يوقفها إلا قيام دولة الإسلام دولة الخلافة التي ستُنهي وإلى الأبد هذا النظام الدولي الباطل، والذي يمنح الشرعية القانونية لهذه القوى الباطشة بارتكاب الجرائم المستمرة ضد الشعوب المستضعفة، فدولة الإسلام القادمة - بإذن الله لا محالة - هي التي ستستبدل بهذا النظام الدولي الظالم المجرم، نظاماً عادلاً يقوم على أساس أحكام الإسلام، وبها سيُقضى على الأمم المتحدة وهيئاتها، فيتم إلغاء القوانين الوضعية الدولية الباطلة، وتُزال كل ما تُسمّى بمؤسسات المجتمع الدولي العفنة، فيُنتصف للمظلومين، ويُرفع الظلم عنهم، ويُحمل الإسلام بالدعوة والجهاد إلى جميع الشعوب المحرومة، فيعم العدل والإنصاف، ويُنشر الخير في جميع أرجاء المعمورة
رأيك في الموضوع