منذ أن انطلقت في الـ17 من تشرين الأول الماضي معركة "قادمون يا نينوى"، وأعلن حينها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بدء ساعة الصفر لمعركة استرداد الموصل من يد تنظيم الدولة، وحتى اليوم تشتعل جبهات الموصل بمعارك شرسة يخوضها التنظيم بقوة وضراوة وبتكتيك المتمرس لحرب الشوارع؛ مستخدما العجلات المفخخة والعبوات والانغماسيين والقناصة، وكذا مستخدما دور المدنيين كنقاط صد لعرقلة تقدم القوات العراقية.
ورغم ضراوة المعارك وشدتها إلا أن هناك تقدماً ملموساً للقوات العراقية في الساحل الأيسر من الموصل ولو بطيئا، إذ صرح الفريق الركن عبد الغني الأسدي قائد قوات (مكافحة الإرهاب) نقلته قناة الحرة عن وكالة الأنباء العراقية "نينا"، قائلا "إن المرحلة الأولى من العمليات العسكرية انتهت بالسيطرة على 28 حيا من أحياء الجانب الأيسر من الموصل".
وأكد الأسدي أن العمليات تجري وفق ما هو مخطط لها، مشيرا إلى أن العمليات تتم بإسناد من القوة الجوية وطيران الجيش العراقي وكذلك طيران التحالف الدولي.
وأوضح أن قوات (مكافحة الإرهاب) العراقية تملك "معلومات تفصيلية عن تحركات" تنظيم الدولة، مؤكدا أن الأهالي يقومون كذلك بمساعدة الجيش من خلال المعلومات عن مواقع عناصر التنظيم إضافة إلى المناطق المفخخة والعبوات التي تم زرعها.
وأضاف أن قطاعات الجيش تتحرك ببطء للحفاظ على المدنيين من النيران الصديقة. الحرة 9/12/2016.
كما وصرح قائد قوات التحالف اللفتنانت جنرال الأمريكي ستيفن تاونسند في مقابلة مع وكالة رويترز على متن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول خلال زيارة مع قادة عسكريين كبار "أعتقد أنهم سيعملون على معركة الموصل لعدة أسابيع إضافية... ربما لشهرين إضافيين".
وقال تاونسند إن النصر في الموصل لن يقضي على التنظيم، مضيفا "لا أعتقد أن مهمتنا ستنتهي عندما تنتهي عملية الموصل. لم نفرغ بعد من عملنا في العراق. ما زال أمامنا تطهير حوالي ثلث وادي نهر الفرات حتى الحدود السورية". الحرة 7/12/2016.
وبهذا يقر اللفتنانت بصعوبة المعركة وضراوتها وأن التنظيم لن ينتهي بانتهاء معركة الموصل بل هي معركة شرسة تستنزف قوى كل الأطراف سواء على مستوى التنظيم أو على مستوى القوات العراقية من قوات أمنية وحشد عشائري وشيعي وبيشمركة.
ويؤكد صعوبة المعركة وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر فقد قال الاثنين إنه "من الممكن" إتمام معركة تحرير مدينة الموصل قبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الـ20 من كانون الثاني/يناير المقبل.
ولم ينف كارتر في تصريحات صحفية نقلتها وكالة رويترز على متن طائرة عسكرية، صعوبة استعادة المدينة العراقية من تنظيم الدولة، مقرا بوجود مشاكل تتعلق بالطقس أبطأت تقدم القوات العراقية، ولا سيما في غياب الدعم الجوي لها، إلا أنه أكد أن القوات "مستعدة لأي احتمالية هناك". الحرة 5/10/2016.
كما ولم يستبعد الوزير الأمريكي في تصريحات منفصلة أدلى بها في كاليفورنيا السبت بقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق حتى بعد حسم معركة الموصل التي بدأت في الـ17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بهدف تقديم الدعم في مجالات أخرى وتدريب أفراد أجهزة الأمن العراقية.
ويشارك نحو 100 ألف من قوات الحكومة العراقية والقوات الكردية والحشد الشعبي في الهجوم على الموصل بدعم جوي وبري من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
إن من الإفرازات التي أوجدتها هذه الأحداث تعالي أصوات التقسيم، فقد قال مسؤول محور الخازر في قوات البيشمركة الكردية عارف طيفور إن قواته لن تنسحب من الأراضي التي تستعيدها خلال عملية تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم الدولة.
وأضاف القيادي الكردي أن قوات البيشمركة ضحت بدمائها من أجل تحرير المناطق وأنه لا توجد نية لإعادة هذه المناطق إلى بغداد.
وأعرب طيفور عن أمله بحل قضية المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية بالطرق السلمية، وقال عبر مترجم: "آمل ألا تصل الأمور بيننا وبين العراق إلى الحرب لأن الطرفين منهكان". الحرة 5/12/2016.
وقد أثار هذا الأمر المحافظ السابق لمحافظة نينوى أثيل النجفي فقال "الخوف الأكبر أن ينقسم العراق إذا لم يسيطروا على هذه المعركة بحكمة ولم يمنحوا العرب السنة سلطة حقيقية". العربية 5/10/2016.
فما تصريحات عارف طيفور وقبلها أثيل النجيفي إلا لما بعد معركة الموصل من تداعيات تمزق العراق إلى أقاليم ثلاثة.
فهذه التعزيزات التي تسعى أمريكا لجلبها إلى العراق إنما هي لترسيخ الانقسام ودعمه، وما خروج كل هذه القوى المحلية من هذه المعركة إلا خاسرة على الصعيد البشري وعلى الصعيد السياسي فقد استنزفت قواها البشرية بموت طاقاتها الشبابية واستنزفت قوتها السياسية فخضعت لمخطط التقسيم.
ولن ينهي هذا التشرذم إلا انعتاق كل هذه القوى من الارتباط بدول الغرب المحتل وعلى رأسهم أمريكا، والاعتصام بحبل الله؛ فلا فلاح لهم إلا بشرعه سبحانه ونصرة دينه.
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103]
بقلم: وائل العنزي
رأيك في الموضوع