إذا كان الدور الذي لأجله وجد الجيش غائبا، فلماذا التسلّح إذًا؟ سؤال يتبادر للذهن لدى متابعة أخبار صفقات السلاح التي تُبرمها وتُنفذها أمريكا مع عدد من الدول العربية، وخصوصا تلك التي تغطّ في سبات سياسي عميق، يُسكرها عن أي فعل عسكري في خدمة الأمة، من مثل الكويت وقطر، والإمارات العربية والمغرب، بل وحتى السعودية، التي لم تتذكر يوما أن لديها سلاحا إلا عندما استنهضتها أمريكا لخدمة أجندتها في اليمن، وذلك في المطحنة الطائفية، والتي تهدف إلى إعادة تقاسم النفوذ الاستعماري فيه.
إذًا، لماذا تُصرف المليارات - من مقدرات الأمة الإسلامية - على تكديس ذلك السلاح الأمريكي؟ سؤال جدير بالتحليل والتفكير ونحن نتابع أخبار الصفقة الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، والتي تفوق قيمتها سبعة مليارات دولار لتوريد مروحيات عسكرية وطائرات وصواريخ لأربعة من "حلفائها العرب" وهي السعودية والإمارات وقطر والمغرب (سي إن إن في 9/12/2016). وليست هذه الصفقة الوحيدة التي تم الكشف عنها هذا العام، بل سبقتها قبل شهر تقريبا صفقة أكبر منها، حيث أفاد موقع سي إن إن (بتاريخ 18/11/2016) إن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على صفقة بيع مقاتلات حربية لقطر والكويت بقيمة 31.2 مليار دولار.
وهي امتداد لصفقات عسكرية متتابعة طوال السنوات الماضية بعشرات المليارات من الدولارات، تسيل إلى جيوب شركات السلاح المنتفخة. ولذلك تحدثت جريدة الحياة (10/12/2016) عن "توقع ازدهار صادرات السلاح الأمريكية"، وأن شركات صناعة السلاح الأمريكية شهدت مبيعاتها الدولية نمواً قوياً وهي تتوقع استمرار هذا الازدهار في عهد الرئيس دونالد ترامب. ولذلك ارتفعت أسهم شركات الأسلحة الكبرى، من مثل "ريثيون" و"نورثروب غرومان" و"جنرال دايناميكس"، وبعض الشركات البريطانية التي تشارك في صناعة بعض مكونات الأسلحة الأمريكية، ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال الأسبوع الماضي.
وإذا كان هذا النمو الكبير قد حصل تحت إدارة أوباما، فإن نموا أكبر متوقع تحت إدارة الرئيس المنتخب ترامب، وهو الذي حدد نظرته الاستثمارية لدول الخليج وعلى رأسها السعودية والكويت على أساس دفع "الخاوة"، وخصوصا عندما قال إن الكويت لم تدفع فاتورة تحريرها، وإن على السعودية أن تدفع "ثمن الحماية الأمريكية"، ولذلك تنقل الحياة عن مارك كانسيان المستشار في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية": إن إدارة ترامب ستكون "أكثر انفتاحاً على بيع الأسلحة لحلفائنا وشركائنا، فهي تشجع الأعمال وهو ما يفيد قاعدة الصناعة الأمريكية".
إذًا، وبكل وضوح فإن تمويل هذه الصفقات هو ضخ للدماء في وريد الصناعة الأمريكية، وتغذية بترولية للاقتصاد الأمريكي، بل هو ما وصفه البعض ممارسة "دبلوماسية صفقات الأسلحة"، من أجل تليين وتمكين علاقات تلك الأنظمة المتهالكة بالقوة المهيمنة.
وهذا الضخ النقدي في الاقتصاد الأمريكي هو محاولة لضخ الدماء في جثة هامدة، كانت قد سقطت أرضا عندما باغتتها أعراض أزمة الرهن العقاري، ثم ظلت تَجهد للوقوف من جديد على حساب "الخاوة" السياسية.
ولذلك فإن الهدف الحقيقي من وراء هذه الصفقات هو إنعاش الشركات الأمريكية، من أجل تعزيز الاقتصاد الأمريكي، على حساب القهر والفقر والحرمان الذي تعانيه الأمة الإسلامية. ليراكم الحكام - الذين يسلبون إرادة الأمة قبل مقدراتها - جرائمهم بعضها فوق بعض: فهم لا يكتفون بتسليم ثروات الأمة البترولية على طبق الخصخصة والامتيازات للغرب المستعمر، بل إنهم يهدرون ما يُجنى من عائدات مالية من أجل إنعاش اقتصاد أمريكا.
وتزداد الجرائم فظاعة مع تصاعد رائحة الفساد المالي - بل وحتى الفني - في تلك الصفقات المشبوهة: منها ما فاح من فضيحة صفقة اليمامة السعودية - البريطانية الشهيرة، ومنها ما تحدثت عنه تقارير سابقة، تحت وصف "صفقات الأسلحة الغبية"، التي تسهم في تكديس بعض الدول - ومنها السعودية - أسلحة لا تلبي الاحتياجات العسكرية لها، وقد وصفت صفقات سابقة أبرمتها السعودية بأنها على رأس الصفقات الأغبى من نوعها في التاريخ الحديث.
وأمام هذا الواقع المؤلم، من فساد النظرة السياسية والغاية العسكرية، والنواحي المالية والفنية، في تلك الصفقات العسكرية، لا بد من نظرة واعية حول التسلّح: إذ إن الوعي الإسلامي على الدور الحقيقي للتسليح يحصره في معادلة النُصرة والنَصر: مما تحدد في آيتين كريمتين: الأولى حول نُصرة الدعوة السياسية، في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا﴾، وذلك في وصف حال أنصار المدينة الذين نصروا دعوة الرسول eومكنّوه من إقامة الدولة وتغيير النظام السياسي الجاهلي. والآية الثانية حول الاستنصار في الحرب ضد الأعداء في قوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، والتي توجب على القوة العسكرية الدفاع عن المسلمين أمام أي عدوان يتعرضون له، وضد كل احتلال غاشم لبلادهم، وضد تسلط كل نظام عميل يريق دماءهم.
وتحت وقع اغتصاب الإرادة العسكرية لجيوش المسلمين من قبل الحكام المستبدين، فإن هذين الدورين (النصرة لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، والنصر ضد العدوان الاستعماري) غائبان عن غايات التسلح، بل إن التسلّح المشاهد يصب في خدمة أهداف أمريكا السياسية في المنطقة، عبر الحروب التي تحركّها وتسخّرها أمريكا من أجل تمرير حلولها السياسية التي تعزز هيمنتها على المنطقة. وهذا واقع مناقض لتطلعات الأمة الإسلامية التي تتأهب لتستعيد مكان الصدارة من جديد، وإن غدا لناظره لقريب.
رأيك في الموضوع