لم يكن وقف روسيا القصف الجوي مؤقتا على حلب قبيل اللقاء الثلاثي بين بوتين وميركل وأولاند سوى محاولة لتخفيف حدة التوتر بين روسيا وأوروبا، وتسهيلا لانعقاد اللقاء، وكما ورد في جواب السؤال الصادر عن أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة في 20/10/2016م، إلا أن موقف روسيا ودورها الذي تلعبه خدمة لأمريكا لم يتأثر بالضغوط الأوروبية من قبل كما لم يتأثر موقف بوتين بعد لقائه بميركل وأولاند على الرغم من محاولتهما ذلك فقد (قالت مصادر أوروبية اطلعت على ما دار في قمة برلين الثلاثية، إن بوتين "بقي حازما في مواقفه ولم يقدم أي تنازل". وبعد مناقشات وصفتها هذه المصادر بأنها كانت "حادة"، قبل الرئيس الروسي (ولم يقدم وعدا) بالنظر في إمكانية تمديد العمل بالهدنة، وذلك من أجل هدف إنساني بحت. والصادم في كلام بوتين لهولاند وميركل، أنه شَّبه وضع حلب بما كان عليه في مدينة غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان، عندما كانت، وفق بوتين، تحت سيطرة "الإرهابيين". وقال الرئيس الروسي: "سنطبق في حلب ما طبقناه في غروزني"، أي استخدام القوة المطلقة لحسم الوضع، الأمر الذي فهمه المسؤولان الأوروبيان على أنه "حازم" في سعيه لحسم معركة حلب عسكريا.) (صحيفة الشرق الأوسط 21/10/2016).
وموقف روسيا من حلب هو مرآة للموقف الأمريكي، فأمريكا تريد بسط نفوذ نظام الأسد المجرم على مدينة حلب بالذات لأنها تعتبر عاصمة لسوريا بعد دمشق، حيث يطلق عليها عاصمة سوريا الاقتصادية، وتريد كذلك بسط نفوذ الأسد على المدن الرئيسة في سوريا، لحصر الثورة وحسرها، لتطويقها ثم القضاء عليها، ويظهر من مراقبة سير عمليات روسيا في سوريا أنها اتفقت مع أمريكا على أن تقوم روسيا بتحقيق أهداف معينة محددة تكون بها قد أنجزت المطلوب منها أمريكيا، وعلى رأس هذه المهام حلب، إلا أن حلب قهرت عنجهية بوتين ومن ورائه أمريكا، فصمدت أمام أعتى أنواع القصف الوحشي، ولم تركع أو تخضع على الرغم من القتل والحصار والتجويع، وبلغت شدة القصف والتدمير حداً فتح أبواب الانتقادات والاتهامات لروسيا بارتكاب جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية، وقد أوقع ذلك روسيا في مأزق سيما وأن أمريكا وضعتها في واجهة الأحداث!
وهذا المأزق جعل الأسلوب الذي تتبعه أمريكا من خلال روسيا من أجل السيطرة على حلب هو تكثيف القصف وتدمير البنية التحتية لاستحالة إمكانية العيش، ثم إعلان هدنة وفتح ممرات للخروج من حلب، فهي تريد تحطيم إرادة أهل حلب بالقتل والتدمير ثم تمتحن هذه الإرادة بفتح ممرات للهروب، وحتى هذه اللحظة لم يفلح هذا لا مع المسلحين ولا مع الأهالي، مما زاد من غيظهم وحقدهم، لذلك كلما فشلوا في جولة تحطيم الإرادة عادت روسيا لتقصف أكثر!
ولم تخرج الهدنة التي أعلنتها روسيا عشية اللقاء الثلاثي مع أوروبا عن هذا الخط أيضا، فقد أعلنت روسيا هذا صريحا على لسان النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد فرانس كلينتسيفيتش بقوله (إن هدف الهدنة الإنسانية هو إفساح المجال للمدنيين لمغادرة مناطق القتال، وهي الفرصة الأخيرة أمام المسلحين لمغادرة المدينة. وأضاف "كلينتسيفيتش"، أن عمليات تطهير المدينة من المسلحين ستبدأ بعد انتهاء مدة الهدنة، وسيكون من الصعب اتهام روسيا بأنها لم تأخذ بالاعتبار مسألة السكان المدنيين!) (سبق 23/10/2016 نقلا عن صحيفة "إيزفيستيا" الروسية)، ورافق الإعلان عن الهدنة أيضا الإعلان عن توجه حاملة الطائرات الروسية الوحيدة كوزنيتسوف إلى شواطئ سوريا، فقد أفادت وسائل إعلام بريطانية بأن مجموعة السفن الحربية الروسية المتوجهة إلى البحر المتوسط بقيادة الطراد الثقيل الحامل للطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" اقتربت بشكل مبكر من سواحل أسكتلندا. وذكر التلفزيون النرويجي أن السفن الحربية الروسية، التي كان من المتوقع أن تجري تدريبات في المياه الدولية بالمحيط الأطلسي جنوب شرقي النرويج حتى 21 تشرين الأول/أكتوبر، توجهت جنوبا بشكل مبكر... هذا، وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الشهر الماضي أن الطراد الثقيل الحامل للطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" سينضم إلى قوام المجموعة البحرية الروسية العاملة في القسم الشرقي من البحر الأبيض المتوسط...) (روسيا اليوم 20/10/2016م)، وهذا كله للتهويل والضغط على أهل حلب ظنا من أمريكا وروسيا أن أهالي حلب سيتسارعون للخروج من حلب، وهم يغفلون أن من عاين الموت بعينه ولم يخضع لن يهز من عزيمته التهديد به!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن روسيا التي أرادت من خدمتها لأمريكا في سوريا الحصول على دور دولي، والظهور بمظهر الدولة القوية، قد جنت في حقيقة الأمر على نفسها، وذلك لأمرين رئيسين؛ الأول، أنها قد ولجت هذا الباب من خلال تحقيق مصالح أمريكا الدولة الأولى في العالم، رجاء أن تجلسها أمريكا بجانبها كشريك في القضية السورية، وبدل أن تفعل أمريكا ذلك، عاملتها معاملة الأتباع والأذناب وشواهد ذلك كثيرة منها رفضها التنسيق العلني معها، ومنها تحميلها وزر القتل والجرائم ومشاركة المنددين بها علنا. والثاني هو أن صمود أهل الشام في وجه آلة القتل الروسية، وعجز روسيا عن تحقيق انتصار فارق لنظام الأسد على الرغم من مرور عام كامل على بدء عملياتها في روسيا، أظهر ضعف روسيا وعجزها، ولعل هذا مقدمة تغري من هم في إقليمها للخروج من عباءتها وهيمنتها، فيصلها لهيب النار التي أشعلتها في حلب وغير حلب، فقد كانت أعلنت أنها ستنجز عملها في ثلاثة أشهر، ومر بعد الأشهر الثلاثة، ثلاثة وثلاثة ثم ثلاثة، وها هي الآن على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تعلن (أن مهمة روسيا في سوريا هي «تحريرها» من التنظيمات الإرهابية والحيلولة دون تقسيم البلاد. وأضاف في مقابلة مع برنامج تلفزيوني إخباري... أنه لا يتوقع نهاية الصراع السوري في المستقبل المنظور. وتابع "وللأسف فإن المعلومات التي نتلقاها لا تعطينا فرصة أن نكون متفائلين، من الواضح أن المجتمع الدولي ما زال أمامه عمل شاق وطويل للغاية") (عيون الخليج 22/10/2016م)!
لذلك فإن من المأمول بعزيمة أهل الشام وثبات الثوار المخلصين بعون الله وتوفيقه أن تدور الدائرة على أمريكا والأتباع والأذناب روسيا وتركيا والسعودية وإيران، فيجعل الله كيدهم في نحورهم أجمعين وتكون العاقبة للمتقين!
رأيك في الموضوع