بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر قامت مجموعات مسلحة للواء المتقاعد خليفة بالقاسم حفتر بالسيطرة على الموانئ النفطية في الوسط الليبي (السدرة، رأس لانوف والزويتينة) بسرعة لافتة مثيرة للاستغراب والتساؤل عن حقيقة ما يحصل. حتى ذكرت بعض وسائل الإعلام وبعض المراقبين بأن الذي حصل هو "تسليم وتسلّم" حصل بين جماعة إبراهيم الجضران "حرس المنشآت النفطية" ومجموعات خليفة حفتر "القائد العام لجيش حكومة الثني"، ونظراً لأهمية الموانئ النفطية هذه وتأثير من يسيطر عليها على مسار الأزمة في ليبيا.
ولفهم الحدث لا بد من سرد مجموعة من المعلومات المتعلقة بهذه الجزئية من الأزمة:
1- قبل ما يزيد عن شهر من إعلان الجضران اعترافه بحكومة الصخيرات قدم إلى طرابلس في استقبال لافت بعد أن كان من مؤيدي الفدرالية.
2- قام كوبلر والسراج وبعض أركان المجلس الرئاسي بالذهاب إلى الهلال النفطي في اجتماع بالجضران وبعض أركان قبيلة المغاربة التي ينتمي لها الجضران، وكان الاتفاق العمل على فتح الموانئ النفطية واستئناف التصدير.
3- ذهب أركان حكومة السراج وكوبلر إلى مصر للقاء حفتر غير أن الأخير رفض مقابلتهم فاكتفوا بمقابلة وزير خارجية مصر ومسئول المخابرات المصرية، وخرجوا من الاجتماعات بتصريحات صحفية يهاجم بعضهم بعضا فيها وأن لا اتفاق بينهم.
4- ثم كانت اجتماعات تونس في الشهر الماضي آب (أغسطس) والتي كان بعض البارزين من بقايا النظام السابق حاضرين فيها بقوة.
ولا يغيب عن البال أن كل هذه اللقاءات والاجتماعات تدور حول موضوع واحد وهو "السعي للحصول على الاعتراف بحكومة السراج" المنبثقة عن وثيقة الصخيرات.
وقد توالت التصريحات من كوبلر وبعض الأوروبيين بأنهم سوف يعطون حفتر موقعاً في حكومة الوفاق، مع رفضه لكل العروض التي قدمت له.
فما هو العنصر الجديد في مسار الأزمة الليبية؟؟؟
ذكر محمد صوان رئيس حزب (العدالة والبناء) الجناح السياسي للإخوان في ليبيا: "أن احتلال الموانئ النفطية تم بعد تسوية قبلية... وهي خطوة إيجابية..."
وهذا ما يفسر سرعة هذا الاحتلال فكأنه تم بالتراضي بين العدوين اللدودين (حفتر والجضران).
غير أن هذا لا يكفي لتفسير ما يجري فإن للأحداث بُعدها الدولي وهو الأهم في فهم ما يجري.
فقد هاجم بيان صادر عن حكومة السراج العملية واعتبرها عملاً عدوانيًا تشارك فيه قوى أجنبية وطالب العالم باتخاذ موقف أخلاقي في المسألة وطالب القوات "الشرعية" بالتصدي لهذا العدوان على الموانئ النفطية.
ثم صدر بيان مشترك من الدول الكبرى الأوروبية وأمريكا بإدانة الهجوم من طرف قوات حفتر التابعة لحكومة طبرق على موانئ النفط وطالب بانسحاب كل القوات من الموانئ.
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن النفط في ليبيا يشكل عصب المشكلة وعصب الحل محلياً ودولياً فلا بد من فهم منطقي لما يجري ولعل بعض التصريحات تلقي الضوء على ذلك.
ومن بين هذه التصريحات ما قاله المتحدث باسم الحكومة الفرنسية: يحذر فيه من وجود خطر حقيقي لتفكيك ليبيا وقال إن الأمر يتطلب التحرك لمنع ذلك.
فهل هذا التصريح هو في سياق كشف ما تعمل له أمريكا عن طريق حفتر ونظام السيسي من جعل التقسيم أمراً واقعاً بقوة السلاح ثم ببدء التسويات بعد ذلك، أم أن هذا التصريح هو من قبيل ترسيخ فكرة التفكك والانقسام حتى تصبح أمراً مقبولاً وحلاً مناسباً؟ ونحن نعلم بشكل أكيد أن فرنسا تعمل على جعل قسم الجنوب الليبي "كانتوناً" على هيئة مثلث قاعدته الحدود مع النيجر وتشاد ورأسه في ميناء سدرة على البحر الأبيض المتوسط. وفرنسا تخشى من سيطرة أمريكا على تلك المواقع فتحرم من ذلك.
فهل كان هذا العمل من حفتر هو بدفع من أمريكا لرسم حدود التقسيم، أم هو عمل بقصد الضغط على حكومة السراج والقوى المتحالفة معها لتعويم الإرادة الأمريكية على الجميع.
مما يجدر ملاحظته أن سِرت تقع على مسافة مئة كيلومتر من ميناء سدرة وكانت أمريكا تمانع وتماطل في السماح للثوار لتحرير سرت من (تنظيم الدولة) وتقدم المعلومات المغلوطة المضخمة عن التنظيم للثوار بقصد إرباكهم وتأخير الهجوم على سرت. وعندما لم يستجب الثوار لتحذيراتها ومطالبها بتأخير الهجوم رأيناها تقوم بقصف التنظيم بعد أن أمرت السراج بتقديم طلب لها بالقصف لكي تسرق انتصار الثوار. وتمكن من سحب بعض القادة والمسئولين في التنظيم من سرت تحت أجواء القصف وانعدام القدرة على ملاحظة ذلك كما تشير بعض المعلومات الخاصة الواردة من هناك. وأيضاً جرى استثمار القصف في الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي في الصراع الانتخابي على الرئاسة.
ولعل أمريكا كانت ترتب الأمور حتى يتمكن تنظيم الدولة من السيطرة على الموانئ والحقول والسيطرة على قطاع النفط وحرمان غيرها. غير أن الثوار أفقدوها هذه الحجة بعد تحرير سرت وهزيمة التنظيم وانكشاف "أسطورته" وبأنه غير ما كان يشاع عنه ويروّج له في إعلام الغرب كله وأمريكا بشكل خاص بعد الاتفاق الأمريكي في تنفيذ مخططاتها والخوف الشديد من انتقال الثوار في سرت بعد تحريرها من تنظيم الدولة إلى الموانئ النفطية وإخضاعها لهم وتورط حكومة السراج في تبني الثوار في سرت يصبح موقف القوى الممانعة للسياسة الأمريكية في ليبيا قوياً. فأسرعت إلى الضغط على قبيلة المغاربة التي ينحدر منها الجضران وأغلب عناصر قوته "قوة حرس المنشآت النفطية" لإبرام اتفاق بينها وبين حفتر لم تتضح تفاصيله حتى هذه اللحظة، سوى ما ظهر من عملية تسليم وتسلم بين قوات الجضران وقوات حفتر للموانئ النفطية وإعلان حفتر استئناف ضخ النفط.
هذه مجموعة قراءات سريعة للأحداث والأيام حُبلى بالجديد. أمتنا لا تعدم المخلصين الذين بإمكانهم وبقواهم الذاتية إفشال المشاريع الخبيثة للأعداء.
بقلم: أحمد المهذب
رأيك في الموضوع