في الثامن عشر من شهر تموز الفائت أطلع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظراءه الأوروبيين في بروكسل على مضمون الاتفاق الذي توصل إليه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، وبحسب ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 28/7/2016 عن تفاصيل هذا الاتفاق فقد (قال كيري لنظرائه خلال الاجتماع، إن اتفاقه مع لافروف يقوم على مبدأ «تجزيء» التعامل مع الأزمة السورية على مراحل؛ تبدأ مرحلتها الأولى بالعمل على التنسيق العسكري بين الطرفين فيما يخص الضربات الجوية ضد تنظيمي «داعش» و«النصرة»... وتقوم الخطة التي نقلها كيري لنظرائه الأوروبيين، والتي احتاج مع نظيره الروسي إلى 12 ساعة من المناقشات لإقرارها، على إنشاء «غرفة عمليات مشتركة» في العاصمة الأردنية تكون من صلاحياتها الإشراف على العمليات العسكرية في سوريا... شرح كيري لنظرائه أن الاتفاق مع لافروف ينص على إعادة إحياء المحادثات التي يقودها ستيفان دي ميستورا. وكشفت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير «يتعرض لضغوط روسية وأمريكية» لحمله على الدعوة إلى جولة ثالثة من المحادثات في جنيف، وهو ما سارع المبعوث الدولي إلى إعلانه أول من أمس، بقوله إنه يأمل تحقيق هذا الهدف نهاية شهر آب/أغسطس المقبل. وأشارت المصادر الفرنسية إلى أن دي ميستورا «قدم تنازلا» للروس عندما لم يربط، كما كان يفعل سابقا، بين العمل مجددا على وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى المحادثات، عند إشارته في مؤتمره الصحفي، أول من أمس، إلى أن هذه العودة «لن تنتظر تطورات الوضع في حلب ودمشق»، في إشارة إلى حصار المدينة الأولى واستمرار القصف في محيط المدينة الثانية. تشير المصادر الأوروبية إلى أن كيري، من باب العمل بمبدأ «التجزيء»، شرح لنظرائه أن البحث في مصير الأسد «مؤجل لمراحل لاحقة»، معيدا التأكيد على أن «لا حل في سوريا إلا سياسيا»، وألا تفاهم من غير الجانب الروسي...).
وقد أعقب الإعلان عن التفاهمات الأمريكية الروسية الجديدة تطورات لافتة في سوريا، وهذه التطورات يظهر منها بوجه ما حقيقة هذه التفاهمات الأمريكية الروسية، فقد برز اشتداد المعارك في حلب، إذ إنه بعد اجتماع كيري ببوتين ثم بلافروف بدأت روسيا بشن غارات جوية مكثفة على منطقة حلب. نقل موقع فرنسا 24 في 17/7/2016 (أحكم الجيش السوري سيطرته على طريق "الكاستيلو" المنفذ الوحيد للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأكد مقاتل في فصيل "ثوار حلب" بأن حلب "تحاصرت مئة في المئة"... وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن "قطعت قوات النظام طريق الكاستيلو بشكل رسمي بعد وصولها إلى إسفلت الطريق من جهة الليرمون (غرب الطريق)"، مضيفا "تحاصرت الأحياء الشرقية بشكل رسمي وكامل".)، واشتداد المعارك في حلب يأتي في سياق رغبة أمريكا الملحة لتحقيق انتصارات للنظام في حلب قبل أي استحقاق سياسي، وقد حاولت من قبل إحداث اختراق للنظام في حلب فشنت روسيا حملات جوية مكثفة على مدينة حلب لكسر إرادة أهلها وتحقيق انتصار للنظام وكان ذلك في شهر نيسان الماضي، وقد شاركت أمريكا في قصف حلب في ذلك الوقت وانكشف قيامها بقصف مستشفى حلب حيث صرح الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية (إيغور كوناشينكوف للصحفيين: "سلاح الجو الروسي لم يقم بأي تحليق في منطقة حلب خلال الأيام الأخيرة. ولدينا معطيات بأنه يوم 27 نيسان/ أبريل ظهرت في سماء حلب، لأول مرة بعد فاصل زمني طويل، طائرة تابعة لإحدى دول التحالف ضد "داعش") (سبوتنيك نيوز 28/4/2016)، إلا أنّ حقد أمريكا وإرادتها انكسرت في ذاك الوقت في حلب بإرادة وتصميم المسلمين في الشام الذين لم يخضعوا لجبروت وحقد أمريكا.
إلا أن أمريكا التي تراهن على أن سياسة القتل الممنهج والتدمير والإبادة ستؤتي أكلها بعد حين - عادت وجمعت كيدها وأذنابها، لإعادة مدينة حلب ليد عميلها مرة أخرى، ورتبت أوراقها مع روسيا، فشنت روسيا غارات مكثفة على حلب وما زالت، وأسفرت المعارك العنيفة عن تحقيق تقدم للنظام في حلب، فقد نقلت شبكة الجزيرة في 30/7/2016 (شن الطيران الروسي غارات على أحياء حلب التي تحاصرها قوات النظام في المناطق الشمالية، حيث تعرضت مدن عندان وحريتان وبلدات كفر حمرة لغارات جوية كثيفة بعشرات الصواريخ الفراغية والعنقودية والفوسفورية، وفق ناشطين. وفي ريف حلب الغربي، قال ناشطون إن سبعة مدنيين قتلوا وأصيب أكثر من عشرين صباح اليوم السبت جراء غارات جوية روسية على بلدة "إبين". كما تعرضت بلدة دار عزة غرب حلب لقصف جوي روسي بصواريخ فراغية. واستهدفت الطائرات الروسية أيضا بصواريخ فراغية وقنابل عنقودية بلدات يسيطر عليها جيش الفتح جنوب مدينة حلب، ومن بينها خان طومان والعيس وخصلة، وفي الوقت نفسه تعرضت بلدة كفر حمرة شمال حلب لقصف بصواريخ وبراميل متفجرة.)، وهذا الهجوم الروسي العنيف جاء في أعقاب لقاءات كيري مع بوتين ثم مع لافروف وإعلانه عن الوصول إلى تفاهمات، وقد ترتب على ذلك دعوة دي ميستورا لجولة مفاوضات جديدة غير مشروطة بوقف أعمال العنف كما ورد في صدر المقال آنفا، فأمريكا تريد الوصول إلى ترتيب سياسي للأزمة تفرض فيه نظامها العميل على الوجه الذي تريد، وقد ضمنت أمريكا من خلال استعمال روسيا بقاء نظامها العميل في سوريا وهذا الموقف تعرفه أوروبا وهي وإن كانت تنسب الإصرار على بقاء الأسد لموسكو إلا أنها تعلم أن المريد الحقيقي هو أمريكا، فقد نقلت الشرق الأوسط عن مصادر أوروبية قولها (إن موسكو «لن تقبل الخوض جديا في هذا الموضوع إلا بعد أن يكون قد توفرت لديها شخصية تثق بها من أجل قيادة سوريا، وبعد أن تكون قد اطمأنت على مصالحها في هذا البلد، إضافة إلى ما يمكن أن تحصل عليه في الملفات الخلافية الأخرى) والحديث عما تريده روسيا في سوريا هو حديث عما تريده أمريكا في سوريا بلغة دبلوماسية!
أما عن بقية التطورات الميدانية على صعيد فصائل المقاتلين في سوريا فأبرز هذه التطورات إعلان أمير جبهة النصرة أبي محمد الجولاني عن فك ارتباط الجبهة بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام، وهذا الإعلان تبعه فورا تصريحات روسية أمريكية متوالية بأنه لن يغير من واقع الجبهة وحقيقتها، فقد (تحدث نائب وزير الخارجية الروسي عن تحديد موعد لاجتماع مع الأمريكيين في جنيف من أجل جولة مشاورات جديدة لتنسيق الضربات الجوية على مواقع "داعش" ومواقع "جبهة النصرة" (فتح الشام) في سوريا. ورأى نائب وزير الخارجية الروسي أن الهدف الرئيسي للمشاورات هو ترسيم حدود المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة والجبهة والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المعتدلة. وجاء التصريح الروسي بعد طلب وزير خارجية أمريكا عقد الاجتماع على ضوء استبدال تنظيم النصرة اسمه إلى "جبهة فتح الشام") (موقع جنوبية 29/7/2016)، وعلى الرغم من أن تغيير الاسم وإعلان إنهاء العلاقة مع القاعدة وإن كان يعتبر شكليا بالنسبة لأمريكا وروسيا وقد لا يؤثر على استهداف الجبهة على أرض الواقع إلا أنه تغير لافت سيما وقد تواردت أنباء متعددة عن إعادة تموضع للجبهة في المنطقة الجنوبية سبقت الإعلان، كما أن إعلان فك الارتباط مع تنظيم القاعدة تزامن مع إعلان آشتون كارتر فتح جبهة جديدة في الجنوب السوري فقد (قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، الأربعاء، إن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة لا يزال يعمل على فتح جبهة جديدة ضد الجهاديين في جنوب سوريا، بالإضافة إلى المعارك الدائرة في شمال شرق البلاد. وأضاف "كارتر"، أمام عسكريين أمريكيين يستعدون للانتشار في بغداد، "سنواصل بشكل حثيث البحث عن فرص لفرض ضغوط على تنظيم داعش (في سوريا) من الجنوب استكمالا لجهودنا الحالية الكبيرة في الشمال الشرقي"، وتابع في فورت براغ في كارولاينا الشمالية: "سيكون من سمات هذا بالطبع تحسين الأمن لدى جيراننا الأردنيين وفصل مسرح العمليات في سوريا عن مسرح العمليات في العراق".) (الشروق 27/7/2016)، ونشر موقع رأي اليوم في 27/7/2016 أنه (بدون سابق إنذار انسحبت جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، اليوم الأربعاء، من كامل مواقعها في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، جنوبي سوريا، ودون إصدار أي بيان رسمي توضح من خلاله سبب انسحابها. "جبهة النصرة" أخلت جميع النقاط العسكرية وجميع الجبهات المتاخمة...)، وهذه التحركات والتغيرات قد يتبعها اندماجات مع فصائل أخرى وتكوّن جسم ثوري جديد يتأسس بناء على تجربة جيش الفتح السابقة، والإشكال لا يكمن في هذه التحركات بحد ذاتها وإنما يكمن في ما سيتبعها لاحقا على أرض الواقع، فالذي يظن أن مبرر أمريكا في ضرب الثورة هو وجود القاعدة ظنه خاطئ، لأن أمريكا لا تريد على وجه الحقيقة أي نوع من المعارضة لنظام الأسد لأن نفوذها في سوريا يكمن في نظام الأسد، لذلك نراها تتلاعب بمن تسميهم معارضة معتدلة وتبتزهم بالتهديد الروسي، وتغري روسيا بضربهم حتى تبقى هي ملتجأهم بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، إن أولى الناس بفك الارتباط في الثورة السورية هم أولئك المرتبطون بأمريكا وعملائها، فهذا الانفكاك هو الانفكاك الواجب وهو الذي يمكن أن يحدث أثرا حقيقيا إيجابيا في الثورة السورية فتخزى أمريكا والأذناب والعملاء!
رأيك في الموضوع