التفجيرات التي وقعت في السعودية قرب المسجد النبوي الشريف وفي القطيف وآخر في جدة قرب القنصلية الأمريكية لم يكد ينطفئ دخانها حتى عقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير اجتماعا وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي بأنه اجتماع من غير تنسيق مسبق، وقال كيربي (ناقش الجانبان ضرورة مكافحة ودحر داعش، بما في ذلك في سوريا، حيث عرضت المملكة إرسال قوات في إطار الحملة الخاصة بمحاربة داعش. ناقش الوزيران أيضا الحاجة لانتقال سياسي في سوريا والوضع في ليبيا، والجهود المبذولة لمحاولة التوصل إلى حل سياسي في اليمن، والتطورات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.) (مترجم عن موقع وزارة الخارجية الأمريكية 5/7/2016)، وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السعودية بعرض إرسال قوات برية إلى سوريا، فقد سبق لمستشار وزير الدفاع السعودي العميد أحمد العسيري أن أدلى بتصريحات مماثلة حيث قال خلال مؤتمر صحفي في بروكسل (إن المملكة جاهزة لإرسال القوات إلى سوريا بمجرد اتخاذ التحالف قرارا بذلك، مشيرا إلى أن التدخل البري في سوريا تحيطه المخاطر كأي عمل عسكري آخر، لكنه شدد على أن إعلان السعودية المشاركة بقوات على الأرض قرار لا رجعة فيه. وأضاف خلال مؤتمر صحفي في بروكسل بمقر حلف الناتو عقب اجتماع لدول التحالف لمحاربة تنظيم الدولة، أن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب سيدخل حيز التنفيذ خلال شهرين، مؤكدا "انتهينا من الجهود الدبلوماسية لتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب") (العربية 11/2/2016) ثم صرح بقوله (إن التدخل العسكري البري للقوات السعودية في سوريا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي سيكون في الغالب عبر قوات خاصة وبأعداد قليلة لدفع العمل على الأرض وإيجاد نتيجة إيجابية للتحالف، مشيراً إلى أهمية التوافق على الجانب الاستراتيجي بين دول التحالف للمرحلة الأولى قبل الإعلان عن نوع القوة وبدء عملياتها) (موقع البيان 13/2/2016)، ثم عاد العسيري وصرح بعد ذلك بقوله (إن وزراء دفاع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية بحثوا إمكانية التوغل بريا في سوريا قبل نحو أسبوعين في بروكسل، لكنهم لم يتخذوا قرارا حتى الآن. وأكد عسيري، لرويترز، أنه تمت مناقشة الأمر "على المستوى السياسي، لكن لم تتم مناقشته كمهمة عسكرية") (راديو سوا 29/2/2016)، وهكذا انسل العسيري من تصريحاته المتلاحقة حول التدخل البري في سوريا، على الرغم من أن التصريحات المتلاحقة للسعودية كانت تدل على أنها جادة وجاهزة بل وبدأت بالتجهيز الفعلي لذلك، وظهر تنسيقها المشترك مع تركيا، وإرسالها طائرات إلى قاعدة إنجرليك التركية، فقد (كشف مسؤول تركي، الثلاثاء، عن أن السعودية ستنشر طائراتها المقاتلة في مطار إنجرليك بأضنة جنوب تركيا، نهاية شهر شباط/فبراير الجاري. وبين المسؤول في تصريح لصحفيين، أن بلاده لن تدخل في عمليات عسكرية أحادية الجانب في سوريا، ولكنها ستشارك في عمليات مشتركة مع الشركاء في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية) (سي إن إن 16/2/2016)، وعلى الرغم من تلاحق تلك التصريحات وارتباطها بأعمال على الأرض إلا أن تسارعها تراجع بعد ذلك، ويبدو أن تسارع تلك التصريحات التركية السعودية وإظهار النية للتدخل البري في سوريا في ذاك الوقت كان بالتزامن مع مفاوضات روسية أمريكية حول مدة المهمة الروسية، فأرادت أمريكا أن تظهر لروسيا أن لديها بديلا جاهزا في حال انسحابها، أو تراجعها عن إكمال المهمة في سوريا.
ولذلك ومع استمرار روسيا بعد ذلك في السير في خدمة أمريكا في سوريا خفت وتيرة الحديث عن التدخل البري السعودي التركي، بل توقفت، حتى جاء اجتماع الجبير بكيري فور وقوع التفجيرات الآثمة والمريبة التي وقعت في السعودية، واللافت أن كيربي وصف الاجتماع بأنه من غير ترتيب مسبق، كأنه يريد دفع تهمة الترتيب المسبق في أعقاب التفجيرات، وقد جاء الإعلان السعودي عن الجهة التي تقف وراء الهجمات بأنها (داعش سوريا) تحديدا على الرغم من أن التنظيم موجود في العراق أيضا بل في العراق يقع مركزه،فجاء على لسان المتحدث الأمني في وزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي (أن العمليات الإرهابية التي وقعت تحمل تدبيرات خارجية من قيادة التنظيم الأم لـ«داعش» في سوريا..) (المصري اليوم 6/7/2016)، مما يدل على أن الدور المطلوب من السعودية هو في سوريا فقط، وبغض النظر عن حقيقة من يقف وراء تلك التفجيرات فإن استهداف الحرم المدني يسهل على النظام السعودي تجييش الرأي العام الداخلي كما يساعد في إعطاء المشروعية للمشاركة في أعمال عسكرية في سوريا بحجة مقاتلة تنظيم الدولة، ولا يختلف الحديث عن تدخل سعودي هذه المرة كثيرا عن سابقتها، فأمريكا اليوم تعيش في مأزق في سوريا، وقد بدأت روسيا بالتبرم لأنها تورطت في وحل الأزمة السورية، وظهر عجز إيران وحزبها عن إحراز تقدم ملموس بل تكبدوا خسائر فادحة، وقد بدا على روسيا رغم صلفها وعنجهيتها التلفت يمنة ويسرة، وهذه حالة من يبحث عن مخرج أو مهرب، وليس بعيدا على بوتين إذا ما أدرك أن خدمته لأمريكا لن تعود له بطائل، أن ينقلب خاسئا على وجهه، سيما وقد أوشكت إدارة أوباما على الأفول، وأمريكا لا تأبه في التنكر للاتفاق المسطور فكيف بتفاهمات بين السطور! وهذا يفسر سعي روسيا الحثيث لإظهار هذه التفاهمات للعلن، ومع ذلك فإن أمريكا لم تتجاوب معه في هذا بالرغم من أن الأمر أصبح مكشوفا معروفا.
والحالة العامة هذه تدفع أمريكا لتجهيز عملائها في السعودية وتركيا ليكونوا مستعدين عندما يحين وقت الحاجة لأحد أمرين؛ إما تقديم الدعم لروسيا في سوريا وذلك بعد إخفاق إيران وحزبها في لبنان، فتتراجع إيران خطوة للوراء لتتمكن السعودية وتركيا من ملء الفراغ، وعودة العلاقات التركية الروسية يساعد في ذلك، والأمر الثاني ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدثه أي انسحاب مفاجئ لروسيا.
وفي كلا الحالين فإن المأزق الكبير الذي تعيشه أمريكا في سوريا يدفعها لاستعمال كل أوراقها في المنطقة، وعسى أن يكون عاقبة هذا خيرا للمسلمين وتكون الشام محرقة لأمريكا وأوراقها وأذنابها وخدامها والأتباع، والله غالب على أمره.
رأيك في الموضوع