يواصل الغرب إظهار حقده على الإسلام بصور وأشكال وأساليب شتى... وكلما ترسخت قناعتهم أن دولة الإسلام قادمة لا محالة، يزداد هلعهم وخوفهم منه. وكما كان هناك غزو ثقافي وفكري للبلاد الإسلامية، كانت هناك أيضا حرب وتضييق على المسلمين القاطنين في بلاد الغرب متذرعين بما يسمى مكافحة (الإرهاب) ومحاربة التطرف... فكانت حملات التشويه وإثارة الكراهية والقوانين المعدّة للتضييق عليهم في لباسهم وشعائرهم الدينية ومدارسهم وجمعياتهم وأحيائهم، وازدادت حملات مداهمة البيوت والمساجد، والاعتقال وتلفيق قضايا، وتضييق على الملتحين ولباس المسلمات، وإصدار قوانين عنصرية تستهدف المسلمين دون غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى. وتم اختراق خصوصياتهم وحبس حرياتهم ومصادرة أموالهم بأقل الشبهات. وكذلك منع بناء مساجد ورفع الأذان، والتدخل في بعض الشعائر مثل الذبائح حسب الطريقة الإسلامية، أو دفن موتاهم وفقاً لأحكام الشرع. وتضييق في ممارسة العبادات في العمل مثل الصلاة والصيام واللباس الشرعي للنساء.
وكما كانت المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية هدفا رئيسيا في هجمتهم الشرسة لتغريبها عن دينها وأحكامه، كذلك كانت في الغرب، ولأن لباس المرأة المسلمة عبارة عن هويتها فقد أصبحت ظاهرة اللباس الإسلامي في الغرب ظاهرة مقلقة لهم، فتكالبت دول الغرب تباعا لمنعها من ارتداء هذا الزي الشرعي الذي فرضه رب العزة عليها صوناً واحتراماً لها وحماية لعفتها وشرفها، مدعين أن هذا المنع يسعى إلى تعزيز الأمن، بعدما نفذ "متشددون" هجمات في دول أوروبية عدة.
إن الإسلام يتحرّك في الغرب بمظاهر عدة أبرزها اللباس والمدارس والمساجد والجمعيات الإسلامية، وتشير العديد من الدراسات الدولية إلى مدى القلق الغربي من انتشار الإسلام حتى إن أحد الكتاب ألف كتابًا أصدر فيه صيحات تحذير من أن أوروبا بعد خمسين عامًا ستصبح قارة مسلمة وأن المسلمين سيصبحون أغلبية. وإن انتشار الزي الشرعي في أوروبا له دلالات عن النمو الإسلامي في الغرب، وكذلك هناك تلازم بين الإسلام واللباس الشرعي مما يجعل الإسلام دائما حاضرا في الشارع الأوروبي من خلال النساء اللواتي يرتدينه، مما يجعل الإنسان الأوروبي يتساءل عن الإسلام الماثل أمامه وقد يكون ذلك مدخلا لإسلامه كما حدث مع كثيرين. وكذلك يشير انتشاره إلى فشل سياسة الاندماج التي سعى من خلالها الغرب إلى تذويب الإنسان المسلم في الواقع الغربي مسلكا ولغة وثقافة ومعتقدا. فإن أوروبا كانتتأمل - بعد فتح باب الهجرة أمام البلاد العربية والإسلامية - أن يندمج هؤلاء المهاجرون في مجتمعاتهم الجديدة، خاصة جيل الأبناء الذي تأملت أنه سيكون أكثر اندماجًا وتقبّلاً للقيم الغربية وسيكون أكثر بعدًا عن الإسلام ومفاهيمه، ولكن هذا لم يحصل كما أرادت. فإن كثيرا من الفتيات يرتدين اللباس الشرعي في الدول الأوروبية هن فتيات صغيرات وُلدن في الغرب ويُجِدن اللغة العربية، وأصبحن يشاركن في التظاهرات والنقاشات السياسية والثقافية التي تدور في وسائل الإعلام الغربية، مما شكل صدمة للدول الأوروبية التي لم تكن تتخيل أن يتسرب الإسلام إلى بنية مجتمعها.
وقد بدأت فرنسا تلك الهجمة بحظرها النقاب ثم حكمت بغرامة لمن ترتكب "تهمة ارتدائه"... مرورا بأجزاء من سويسرا حين بدأت السلطات بتطبيق قانون يقضي بفرض غرامة قد تصل قيمتها إلى 10 آلاف دولار على أي سيدة ترتدي النقاب أو البرقع. وكذلك قررت السلطات في إقليم "شينغيانغ" الصيني، الذي يتمتع بالحكم الذاتي، منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة بالعاصمة "أورومتشي"، ذات الأغلبية المسلمة. وتم فصل امرأة منفلسطينمن دورة تدريبية في مدينة ألمانية ومنع غيرها من الدراسة بعدما رفضن خلع غطاء الرأس... وكذلك هناك دعوة إلى حظر النقاب في النرويج والنمسا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وروسيا. ولا ننسى الضجة الكبيرة التي قامت في أوروبا بعد حظر فرنسا وعدة دول أخرى ارتداء لباس البحر الخاص (البوركيني) الذي ترتديه بعضالمسلمات قائلة إنه يتعارض مع القوانين الفرنسيةالعلمانية، وفَرْضِ غرامة مالية على من تقوم بارتدائه. وها هي الهجمة وصلت إلى إقليم كيبيك الكندي الذي مضى قدما في مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في القطاع العام حيث يمنع القانون المقترح أي امرأة تتلقى أو تقدم خدمات حكومية من ارتداء ملابس تغطي الوجه... ومن الجدير بالذكر أن كندا تعتبر من الدول التي تحترم الديانات السماوية وتحترم الحرية الشخصية للأفراد، فبالرغم من أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية وما تبعها من ردود فعل على المسلمين في أنحاء العالم إلا أن المسلمين والمسلمات في كندا لا يزال الحجاب يمثل لهم أهمية خاصة.
إن كل هذا وغيره يندرج تحت الحملات العنصرية التي تشنها الحكومات الغربية - والتي ترفع شعارات الحرية الزائفة - من أجل أن تخلع المرأة المسلمة لباسها الشرعي... فالمرأة المسلمة ممنوعة بحكم القوانين الغربية المجحفة من أبسط حقوقها في الالتزام بأحكام الإسلام وممارسة شعائره، وفي حين سوّغت الدنمارك وغيرها من الدول التي أعادت نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم e هذه الأفعال الشنيعة بحرية الرأي والتعبير. بئست الحرية التي تتسع للعراة والشواذ ويجد هؤلاء من الهيئات السياسية والحقوقية الأممية والقطرية من يدافع عنهم في جميع المحافل والمنتديات، والضغط بكل وسيلة ممكنة لضمان حريتهم في ممارسة هذا التعري والشذوذ!! وعجبًا من مجتمع يرى التعري حرية والشذوذ ديمقراطية، ويرى الحجاب والستر جريمة يعاقب عليها صاحبها ويضيق عليها في كل الأماكن!!
إذن لم يعد لباس المرأة المسلمة في الغرب مجرد قطعة قماش تستر بها جسمها ومفاتنها، بل أصبح مصدرا للهلع والفزع لأنه دليل على تنامي الإسلام وانتشاره والتمسك بأحكامه، ليس فقط بين الجاليات المهاجرة، بل بين أبناء أوروبا أنفسهم الذين يزداد عدد من يعتنقون الإسلام منهم يوما بعد يوم وذلك الفضل من الله... هذا الدين الذي يحترم الديانات السماوية الأخرى ويحترم معتقداتهم وشعائرهم، ولا يضطهدهم ولا يجبرهم على الدخول في الإسلام ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾... نسأل الله أن يعجل بدولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستحمي المسلمين في أي مكان..
رأيك في الموضوع