يصادف الثامن من آذار/مارس من كل عام ما يسمّى بيوم المرأة العالمي الذي انبثق عن حراك عمالي نسائي، لكنه ما لبث أن أصبح حدثا سنويا اعترفت به الأمم المتحدة. ففي عام 1908، خرجت 15,000 امرأة في مسيرة احتجاجية بشوارع مدينة نيويورك الأمريكية، للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات، وفي العام التالي، أعلن الحزب الاشتراكي الأمريكي أول يوم وطني للمرأة. ثم تحول إلى يوم عالمي عام 1910 في مؤتمر دولي للمرأة العاملة عقد في مدينة كوبنهاغن الدنماركية. واحتفل به لأول مرة عام 1911، في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا. وأصبح الأمر رسميا عام 1975 عندما بدأت الأمم المتحدة بالاحتفال بهذا اليوم واختيار موضوع مختلف له لكل عام؛ وكان أول موضوع عام 1976 يدور حول "الاحتفاء بالماضي، والتخطيط للمستقبل" أي كان بسبب هضم حقوق المرأة الغربية ومطالَبة برفع الظلم عنها.
وهذا العام 2020 تركز احتفالية هذا اليوم على حملة "أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة" في إطار حملة هيئة الأمم المتحدة للمرأة الجديدة المتعددة الأجيال، وهو جيل المساواة، الذي يأتي بمناسبة مرور 25 عاماً على اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين، والذي اعُتمد في عام 1995 في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين عاصمة الصين، باعتباره خارطة الطريق الأكثر تقدماً لتمكين النساء والفتيات في كل مكان.
يعدُّ عام 2020 كما يدعي (حماة حقوق المرأة) عاماً محورياً للنهوض بالمساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، حيث يقوم المجتمع العالمي بتقييم التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة منذ اعتماد منهاج عمل بيجين. كما سيشهد العديد من اللحظات الحثيثة في حركة المساواة بين الجنسين: مرور خمس سنوات منذ إعلان أهداف التنمية المستدامة؛ الذكرى العشرين لقرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، والذكرى العاشرة لتأسيس هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
لكن لو نظرنا لوضع المرأة بعد كل هذه السنين في ظل النظام الرأسمالي، هل فعليا نالت حقوقها وكرامتها؟ هل فعلا نالت المساواة المزعومة وعاشت الرفاهية التي تبحث عنها؟
لقد خرجت المرأة للعمل في مختلف الميادين والأعمال والمهن لتحقق ذاتها واستقلالها الاقتصادي، وفي الوقت نفسه عليها أعباء البيت والأولاد، فزاد عليها الحِمل والتعب الجسدي والنفسي الناتج عن محاولة إيجاد توازن بين أعباء الأسرة والمنزل وضغط العمل ومسؤولياته... خاصة أن النظام الرأسمالي لا يعترف إلا بالمنافع والمكاسب والأرباح ولو على حساب الإنسان. مما قلل من قيمة الأمومة والأسرة، حيث كان العمل على حسابهما فلم يعد للمرأة الوقت والمناخ الجيد للعناية بأطفالها كما يجب، خاصة أنها تسعى لإثبات ذاتها في هذا العمل. ولا ننسى جو الصراع الذي أصبح يسود العلاقة الزوجية، منطلقا من مفهوم المساواة وتغيير ما أسموه بالدور النمطي لكليهما، وتفضيل دور المعيل على دور ربة البيت، مما جعل المرأة ترى دورها كأم وربة بيت امتهاناً لها وتحجيماً لذاتها وطموحاتها، وعليها التخلص منه أو تقليل أهميته.
ولو عدنا إلى يوم المرأة العالمي لرأينا احتفالا هنا وتكريما هناك؛ ندوات هنا ولقاءات هناك؛ كلها تتكلم عن المرأة وحقوقها ورفع الظلم عنها، وإنقاذها من العنف الممارس ضدها، وعن تمكين المرأة الاقتصادي والمجتمعي والرياضي، وعن دورها المهم في المجتمع، وعن مساواتها بالرجل ووجوب رفضها دورها الأساسي الذي فطرها الله عليه لأنه يتعارض مع تلك الحقوق والمساواة، وعن جرائم العنف والشرف والتحرش والتعنيف والتنمر الممارس ضدها... وفي كل هذا يكثر الهجوم على الإسلام وأحكام الإسلام وكأنه المسئول عن كل هذا!!
كلام يناقضه الواقع، وتنظير تكشف زيفه الأفعال. فالعنف ضد المرأة في البلاد غير الإسلامية كثيرة ومتعددة ومتنوعة، والإحصائيات تزداد يوما بعد يوم ولكنهم لا يركزون عليها مثلما يركزون على العنف في البلاد الإسلامية الذي فيه حقوق المرأة مهضومة ومنهم من يعاملها كأنها كائن من الدرجة الثانية أو الثالثة أو العاشرة بسبب البعد عن أحكام الله وشرعه في التعامل مع المرأة بمختلف أدوارها وأماكن وجودها. فظلمها إنما هو بسبب الابتعاد عن الإسلام وليس بسبب الإسلام كما يدعون ويريدون للمرأة المسلمة أن تصدق هذا. ويخلطون عن عمد وخبث بين العادات البالية التي تهضم حقوق المرأة والتي في بعض المناطق تمنع المرأة من التعليم والعمل والموافقة على الزوج وتحرمها من الميراث أو تنظر إليها نظرة استخفاف أو عدم احترام أو لا يسمح لها بالإدلاء برأيها وغير ذلك من سلوكيات، وينسبونها إلى الإسلام.
وذلك لأن الغرب وأعوانه من الذين يكيدون للإسلام وأهله تهمهم قضية إبعاد المرأة المسلمة عن جوهر دورها الأصلي وجعلوها شغلهم الشاغل لأنهم يعلمون أنهم بهذا يقضون على جيل كامل قادم يمكن أن يعيد دولة الإسلام، وتحويله إلى جيل مسخ تكون قدوته ممثلة أو مغنياً أو لاعب كرة قدم أو بائعاً لدينه وقيمه أو غيرهم ممن تشبع بهم النظام الرأسمالي العفن الذي ترزحون تحته وتتوقعون منه تحرير الأقصى، بدل أن يكون قدوته صلاح الدين ونسيبة المازنية وخولة بنت الأزور... فبذلوا الملايين في حرفها عن دينها وبشتى الوسائل في تطبيق اتفاقياتهم الخبيثة مثل سيداو ومنهاج بيجين اللذين يريدون بهما إعادة بناء حياة الأسرة بتغيير الأحكام الشرعية لتوافق الرأسمالية وذلك بحجة الحرية والمساواة والحداثة والحقوق وغير ذلك من الشعارات الخادعة الزائفة، متجاهلين ومحرفين أحكام الإسلام ومفاهيمه التي لا يعتبر دور المعيل بحسبها أكثر أهمية من دور ربة البيت، بل يكون الدوران متوازنين متكاملين بما فيه خير الأسرة والمجتمع، ونظرته للمرأة ونجاحها لا يكون على أساس أنها امرأة عاملة، بل يمنحها الإسلام بدلا منها منزلة عظيمة كأم أو أخت أو ابنة... وبالتالي فإن ربات البيوت اللواتي لا يخرجن للعمل لا يشعرن بنقص بل هن في منزلة عالية ولهن دورهن الفعال في تربية وتنشئة أطفالهن ليصبحوا أشخاصاً صالحين يستقيم بهم المجتمع. فهذا هو النظام الإسلامي الذي يحرر المرأة حقا من أغلال الرأسمالية.
إن تكريم المرأة وتكريم الأم والزوج والابنة لا يكون في يوم واحد في السنة تتناثر فيه الشعارات وتتعالى فيه أصوات الخطباء بخطب رنانة وألفاظ براقة تخلب عقول البسطاء وسطحيي التفكير من الناس... بينما بقية السنة استغلال لها ولكرامتها وجسدها بحجة الحرية والمساواة والتحضر... بل يكون تكريمها وعزتها طوال العام بتطبيق أحكام الإسلام. وما نراه من ذل ومهانة لها هو لأننا ابتعدنا عن هذه الأحكام الصحيحة وحرّفنا مفاهيمها، فصرنا نحتفل بالمرأة مع الذين هضموا حقوقها فأعطوها يوما مدعين أنه يومها لتحتفل به وتطالب بحقوقها.
فسحقا لهم ولأعيادهم الزائفة وشعاراتهم الكاذبة الخادعة وأهلا بالإسلام الحقيقي غير المشوه بترّهات وفتاوى أدعياء مضللين يقولون عن أنفسهم علماء وشيوخ! أهلا بالإسلام الحقيقي الصافي غير المحرَّف شريعة ومنهاجا ودستور حياة، وأنت أيتها المرأة أبصري أين طريقك الصحيح واتبعيه ولا تنخدعي بتلك الشعارات الزائفة البراقة الخادعة.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع