الوسط السياسي هو وسط الرجال الذين يتتبعون الأخبار السياسية والأعمال السياسية والأحداث السياسية ليُعطوا رأيهم فيها ويَرْعوا شؤون الناس حسب هذه الآراء، أي وسط السياسيين سواء أكانوا حكاماً أو كانوا غير حكام. فهذا الوسط الذي يعيشون فيه ويباشرون حياتهم فيه هو الذي يطلق عليه الوسط السياسي...
وعلى ذلك فإن الوسط السياسي الذي نعنيه هو الوسط السياسي الذي يمكن العيش فيه، والوجود بين رجاله، وليس الوسط السياسي الذي يقتصر على الحكام وحدهم. أي الوسط السياسي المفتوح الذي يمكن أن يدخله كل شخص، وليس الوسط السياسي المغلق الذي يحظر دخوله على الناس.
وإنه وإن كان لا يوجد وسط سياسي إسلامي لعدم وجود بلدان تحكم بالأفكار الإسلامية، ولكن نظرة خاطفة إلى التاريخ الإسلامي، لا سيما تاريخ الإسلام أو تاريخ المسلمين في العصر الأول نجد أنه يوجد وسط سياسي إسلامي حين كان المسلمون يُحكمون بأفكار الإسلام، لا سيما حين كان نظام الحكم الإسلامي يُطبق كما فهمه خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام في عصرهم الأول حين خلفوا الرسول خلافة فعلية، وكانوا خلفاء له لا مجرد حكام.
وبما أن الدولة الإسلامية قائمة يقيناً، ومسألتها هي مسألة وقت ليس غير، فإن الواجب على من يعملون لإقامة الحكم بالإسلام أن يتصوروا أولاً الوسط السياسي الإسلامي مجرد تصور. وأن يعملوا على إيجاد هذا الوسط، حتى لا يَضلوا عن الوسط السياسي الإسلامي، كما ضلوا عن نظام الحكم في الإسلام...
إن الخطوة الأولى في العمل لإيجاد الوسط السياسي الإسلامي هي وجود رجال يتتبعون الأخبار السياسية والأعمال السياسية والأحداث السياسية في العالم، تتبع معرفة وتتبع إدراك، ثم محاولة رعاية شؤون الناس بحسبها، مع التقيد بما تعنيه هذه الرعاية في نظر الإسلام، فمتى وجد هؤلاء الرجال على هذا الوجه، أو بهذا الوصف، فقد بدأت الخطوة الأولى في إيجاد هذا الوسط، سواء أكان ذلك والدولة الإسلامية قائمة فعلاً، أو كان والدولة الإسلامية غير قائمة، لأن الأمر لا يتعلق بالدولة، بل يتعلق بالوسط السياسي (وإن كان وجوده يساعد على إيجاد الدولة) وكان وجود الدولة يقتضي وجوده أو إيجاده، فالموضوع الأولي، أو الأساسي، هو أن يوجد التتبع للأخبار السياسية، وأن يُثمر هذا التتبع رعاية شؤون الناس بما جرى تتبعه من أخبار حسب أفكار الإسلام.
إنه من نافلة القول أن الغاية من تتبع الأخبار وتحليلها هو أن يُعطى الرأي فيها للناس، وذلك أن من لا يتتبع الأخبار لا يمكن أن يكون سياسياً، وبالتالي لا يمكن أن يعمل لإيجاد الوسط السياسي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه...
لذلك كان على كل شخص، حتى يكون سياسياً، وحتى يتمكن من العمل لإيجاد الوسط السياسي، أو العمل فيه، أن يستكمل أربعة أمور:
أحدها أن يتتبع الأخبار السياسية.
والثاني أن يحلل هذه الأخبار.
والثالث أن يعطي رأيه فيها للناس.
والرابع أن يكون هذا الرأي صادراً عن زاوية خاصة تتعلق بوجهة النظر في الحياة، أو مرتكزاً إلى هذه الزاوية.
وما لم توجد هذه الأمور الأربعة مجتمعة فإنه لا يوجد الوسط السياسي الإسلامي، ولا يتمكن من العمل في الوسط السياسي من حيث هو. وأنه وإن كان التتبع هو أول البدء فإن الوعي السياسي، أو إعطاء الرأي من زاوية خاصة تتعلق بوجهة النظر في الحياة، هو الذي يجعل الخطوة الأولى في البدء مستكملة الوجود...
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع