كل حين تحتفل المرأة في الغرب بذكرى لمناسبة أو أخرى نالت بها حقّا من حقوقها التي كانت مسلوبة منها، وهذه الأيام مرت الذكرى المئوية الأولى لنيل المرأة في بريطانيا حق الترشح لعضوية البرلمان. وجاء هذا المكسب متزامناً مع منح البريطانيات حق التصويت، لكن ليس كل البريطانيات. فحق التصويت مُنح للبريطانيات اللواتي تزيد أعمارهن على 30 عاماً فقط، لكنهن يستطعن الترشح للبرلمان في سن الحادية والعشرين. أي بإمكان النساء من سن 21 حتى نهاية 29 أن يرشحن أنفسهن لكنهن في الوقت نفسه لا يستطعن الانتخاب والإدلاء بأصواتهن!!
وتُصنَّف نيوزيلندا على أنَّها أوَّل الدُّول التي ضمنت حقَّ المرأة في الانتخاب، وكان ذلك في العام 1893م، وتلتها جارتها أستراليا بعد تسعة أعوام؛ أي في عام 1902م، لتلتحق بهما فنلندا عام 1906م، ثمّ النرويج عام 1913م، والدنمارك عام 1915م، وكندا عام 1917م، ثمّ بريطانيا وألمانيا، وبولندا، والنمسا، وروسيا في عام 1918م.
ولكن لو عدنا بالتاريخ لرأينا أن الإسلام وقبل أكثر من 1400 عام سبق الغرب الذي يتبجح بحقوق المرأة بإعطائها حق التصويت والانتخاب. فهو مبني على تشريع الله، وليس هناك تمييز بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحقوق السياسية. والمشاركة السياسية للمرأة واجب عليها وليس فقط حقاً لها. قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. وأولها كان على عهد رسولنا e الذي طلب من وفد الأنصار في بيعة العقبة أن يُخرجوا له نقباء وكان من ضمن الوفد امرأتان، واشتركتا في الاختيار أي الانتخاب وكان يمكن أن تكون إحداهما من هؤلاء النقباء لو تم انتخابها، وبايعتا الرسول e على ما بايع به الرجال. وعندما كانت البيعة للرسول e في المدينة بعد قيام الدولة خص الله تعالى بيعة النساءبذكر نصها في سورة الممتحنة، وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12]. وقد نزلت يوم فتحِ مكة، وبايع النبي e بها النساء على جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال على الإسلام والجهاد. وكان عمر بن الخطاب يبلغه عنهن وهو واقف أسفل منه. وهذا دليل على ثبوت حق المرأة في الانتخاب، لأن البيعة تأتي بعد الانتخاب والاختيار.
ولا ننسى كذلك عندما استشار عبد الرحمن بن عوف الناس في سيدينا علي وعثمان أيهما يكون الخليفة بعد عمر الفاروق رضي الله عنهم أجمعين، فقد سأل واستشار الجميع جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى ومجتمعين، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن واستشارهن، أي أنهن شاركن في عملية التصويت والانتخاب. وعلى مدى التاريخ الإسلامي بمختلف أحقابه نجد نساء شاركن في العملية السياسية والانتخاب والمعارضة والمحاسبة للحكام ورجال الدولة.
إذن من حقوق المرأة السياسية في الإسلام أن تشترك في انتخاب الخليفة (رئيس الدولة) ومبايعته. وكذلك أن تترشح وتنتخب أعضاء مجلس الأمة (وهو هيئة استشارية تقدم النصح والمشورة للحاكم وتحاسبه أيضا).
ولكن ما حصل بعد هدم الخلافة وفقدان الكيان السياسي كدولة تحكم بشرع الله انحدر الوضع بالجميع ومن ضمنهم المرأة. وعمل أعداء الإسلام وأعوانهم على تشويه مفاهيم الإسلام وأحكامه وتصويرها أنها انتقاص من حق المرأة. واعتبرت عادات بعض البلاد بأنها هي الإسلام، من حيث تهميش دور المرأة، وجعلها كأنها في الدرجة الثانية بعد الرجل، الذي له القوامة، هذا الحكم الشرعي الذي شوهوه بشكل بعيد جدا عن الإسلام الذي أمر بإعطائها حقوقها الإنسانية كاملة من غير بخس في أي جانب منه.
إنّ وضع المرأة في العالم الإسلامي والحد من دورها السياسيليس بسبب نظام الإسلام أو القوامة، ولكن الأنظمة هي التي تفعل ذلك. فمثلا في السعودية (التي يعتبرها الغرب دولة إسلامية!) لم يكن لها حق الانتخاب ومؤخرا أعطوها بعض هذا الحق مع أنه لن يكون لها دور في القرارات السياسية التي تتخذ، وهذا تابع للعادات وليس من الإسلام في شيء. فالقوامة أو الولاية للرجل لا تعني التسلط والتجبر بل هي تحميها ووجب على وليها سواء أكان أبا أو أخا أو زوجا أن يحميها ويرعاها... وهذا غير موجود في الغرب حيث تصارع المرأة للحصول على هذه الحقوق. فالعقبة كما قلنا ليست في القوامة بل هي في الأنظمة البعيدة عن الإسلام وتطبيق أحكامه.
وهناك من يمنع المرأة من دورها السياسي بحجة أنها لا تقدر على ذلك بسبب واجبها الأصلي كأم وربة بيت، بينما في الحقيقة فإن مهامها كربة بيت وتربيتها للأولاد لا تتعارض مع مشاركتها السياسية إذا عملت المرأة على تنظيم أدوارها وتوزيع أوقاتها لوجود متسع من الوقت للدورين، كما أن مهام الرجل الاقتصادية وقضاءه وقتاً طويلاً في العمل، لا يتنافى مع وظائفه البيتية والدينية والسياسية وغيرها.
وما نراه من هضم حقوق المرأة سواء الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو التعليمية إنما هو بسبب عدم وجود الكيان السياسي الذي يطبق الإسلام منهاجا وشريعة ودستورا، ففي الوقت الذي لهثت وراءه المرأة الغربية طوال عقود طويلة ولا زالت لنيل حقوقها ولم تنل إلا الفتات، نرى أن الإسلام الذي هو الراعي والحامي أعطاها إياها بدون جهد منها ولا تعب. والمصيبة الكبرى أنهم يعملون على تصدير تلك الحضارة الزائفة التي تنسب لنفسها تحرير المرأة إلى العالم الإسلامي بشتى الوسائل والأساليب، يساعدهم في ذلك حكام وأنظمة لا تخاف الله وتسير في ركابهم خوفا على عروشهم التي ستدكها قريبا إن شاء الله دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وما ذلك على الله ببعيد.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع