إن العلمانية كانت نتاجا لثورة الشعوب الأوروبية على الكنيسة والملوك الذين سخّروا الدين خدمة لأهدافهم وغطاء لاستبدادهم وتحكمهم في الشعوب المقهورة بنظرية الحق الإلهي.
إن العلمانية عقيدة تقوم على جعل الحاكمية للناس من دون الله، فالسيادة فيها للشعب وهو مصدر السلطات، والدين لا وجود له في الحكم والسياسة، ويبقى مجرد شعائر تعبدية وأخلاقيات وسلوك فردي داخل الكنيسة.
وقد أطلق على العلمانية أسماء عدة، فسميت بالمبدأ الحر والمبدأ الرأسمالي والمبدأ الديمقراطي وكلها أسماء لمسمى واحد هو عقيدة فصل الدين عن الحياة، فالعلمانية نقيض عقيدة الإسلام التي تجعل الحاكمية لله وحده، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾.
وتبقى العلمانية كفراً مهما أُلبست من لبوس ليتقبلها الجمهور تحت أي مسمى كان.
ولقد خاض الغرب الكافر حربا طويلة مع الإسلام باعتباره الدين الوحيد الذي يقوم على عقيدة صحيحة وينبثق عنها تشريع دقيق لكل جوانب الحياة مما يجعله دائم الحيوية قادرا على مواجهة كل المبادئ وتحطيمها، فهو الخطر الحقيقي على العلمانية كعقيدة وعلى مفاهيمها وحضارتها.
ولقد حمل لواء الحرب على الإسلام في بلاد المسلمين علمانيون فاقوا علمانيي الغرب حقدا على الإسلام أمثال الكماليين في تركيا، فحقق الغرب من خلالهم نجاحا كبيرا عندما أوصلهم إلى سدة الحكم وأخذوا على عاتقهم محاربة كل مظاهر الإسلام، وعملوا على تغريب المسلمين وسلخهم عن دينهم وحضارتهم بكل وسيلة بشعة، وتحدوا مشاعر المسلمين، فكانوا نموذجا قبيحا للتسلط والاستبداد وعنوانا فظيعا للفساد.
ولقد استفرغ الغرب كل وسائله في الحرب على الإسلام لمنع عودته مجسدا في دولته.
وبالرغم من ذلك كله وبعد معاناة طويلة لحقبة من الحكم الأسود، وبعد تجارب مريرة مع العلمانيين، أسقطت الشعوب كل الدعوات القومية والوطنية والبعثية والاشتراكية، واكتشفت أكذوبة الديمقراطية العلمانية، فأصبحت الأحزاب القائمة على هذه الدعوات مجرد شعارات بلا مضمون ولا رصيد شعبي، وأصبحت مكاتب خاوية على عروشها، ففقد الغرب المستعمر أداته في تطويع المسلمين لمشاريعه.
وكم كانت فرحة الكافر عظيمة عندما وجد علمانيين جدداً أكثر إقناعا للشارع الإسلامي الملتهب وأكثر قدرة على خداع الناس وامتصاص نقمتهم، فهم لا يعلنون العداء للإسلام صراحة ولا يمنعون ممارسة شعائره الفردية والأخلاقية، فهم يلبسون لبوس الإسلام ويؤمنون بعقيدة الغرب فصل الدين عن الحياة، ويتحالفون معه ويشاركونه الحرب على الإسلام وعلى العاملين لإقامة دولته وينوبون عنه في تنفيذ سياساته.
حكموا بدساتير الغرب وتشريعاته وهم يتلون قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾﴿الظَّالِمُون﴾، ﴿الْفَاسِقُونَ﴾.
جعلوا دين الله دينا انتقائيا؛ يأخذون بعضه ويتركون جله، والله يقول: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
بدلوا شرع الله كفرا وهم يتلون ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾.
والَوا اليهود الغاصبين، الذين سفكوا الدماء وارتكبوا المجازر ودنسوا المقدسات.
شاركوا الصليبيين في تحالفاتهم وفتحوا البلاد لآلتهم العسكرية وأمعنوا في المسلمين قتلا وتنكيلا بمشاركة الكفار، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
رعَوا المثلية والشذوذ والدعارة وكل رذيلة فجعلوا بلادهم مرتعا للفجور والفساد.
هدروا الثروات على نزواتهم المحرمة، وأنفقوها على حروب المستعمرين في الوقت الذي يموت فيه المسلمون جوعا.
خافوا الكافر وحرصوا على رضاه ولم يخافوا الله، والله تعالى يقول: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
ضللوا المسلمين فألبسوا عليهم دينهم وخانوا ثقتهم، فظن الناس أن ما يقولون هو من دين الله بعد أن أصلوا للكفر ووضعوا له القواعد، (ما لا يؤخذ كله لا يترك جله)، و(خذ وطالب)، و(الضرورات تبيح المحظورات)، و(درء المفاسد أولى من جلب المصالح) وغير ذلك كثير...، والله يقول: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فكانوا أخطر على الإسلام والمسلمين من مصطفى كمال وبورقيبة وأكابر مجرمي العلمانيين.
إن العلمانية المعممة سهم من سهام الكافر المسمومة مغروس في جسد الأمة، وآخر بيادق الكفر في حربه على الإسلام. إن العلمانية عقيدة ووجهة نظر عن الحياة تناقض عقيدة الإسلام وحضارته، والدعوة لها دعوة للكفر والعمل بها معصية عظيمة وإثم كبير، ولا فرق بين علماني يلبس برنيطة وبدلة وعلماني بجلباب وعمامة ولحية، بل الثاني أكبر جرما وأعظم خطرا؛ فهو يكذب على الله ويفتري على نبيه ويضل عباده بإدخاله في دين الله ما ليس منه، فكان من الدعاة على أبواب جهنم.
إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى أفعالكم، ورب كلمة ينطق بها أحدكم في سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا.
بقلم: سعيد رضوان أبو عواد
رأيك في الموضوع