الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...
أصدر حزب التحرير العدد الأول من جريدة الراية في الثامن والعشرين من ذي القعدة 1373هـ الموافق 28/7/1954م، وقد صدر العدد الأخير الثالث عشر الأربعاء 29 صفر 1374هـ الموافق 27/10/1954م... وذلك وفق ما اطلعنا عليه من بقايا أعداد الراية التي وصلتنا... وهكذا تكون أعداد الراية التي صدرت هي ثلاثة عشر عدداً، وقد نُقل عن بعض الإخوة أن الأعداد كانت أربعة عشر عدداً، ويبدو أن العدد الذي كان يُعَدُّ لإصداره عند صدور قرار النظام الأردني بإغلاق الجريدة اعتباراً من 28/10/1954م، يبدو أن هذا العدد قد صدر بعد الإغلاق، ومن ثم تكون الأعداد أربعة عشر عدداً، ومع أننا لم نطلع على هذا العدد فنتأكد منه إلا أننا سنعد العدد المستأنف من الراية هو العدد الخامس عشر احتياطاً للاعتبار المذكور آنفاً.
لقد كانت الجريدة تصدر في عمان من خلال مكتب صغير قرب المسجد الحسيني، وذلك يوم الأربعاء من كل أسبوع حيث كانت الجريدة أسبوعية، وكان رئيس تحرير الراية العالم الجليل الشيخ عبد القديم زلوم رحمه الله الذي أصبح فيما بعد الأمير الثاني للحزب، وكان سكرتير التحرير منير شقير، وكان من ضمن المحررين كما علمنا الأستاذ نبيه الجزائري حيث كان مركِّزاً جهده لترجمة الأمور المهمة ذات العلاقة الواردة في الصحف والمجلات الصادرة باللغة الإنجليزية...
لقد كانت الجريدة مميزة عن غيرها من الصحف، فليس فيها إعلانات ولا قطع مصورة أو مزخرفة، بل كانت تصدع بكلمة الحق وتنطق بالصدق... تناقش الأوضاع السياسية وتعالجها من وجهة نظر الإسلام، فكانت صفحاتها الأربع التي تباع بقرش ونصف آنذاك، كانت وعاء زاخراً بمحتواه، مليئاً بما ينفع الناس، مُستغَلاً كله في الخير ومحارباً للشر، لا يخشى في الله لومة لائم.
لقد كان سلاح الجريدة كلمة الحق، ومع ذلك كان ثقيلاً على الظالمين فوق ثقل القذائف والصواريخ... ولذلك فإن الحزب، وبخاصة جريدته، عندما تصدى لقانون الوعظ والإرشاد المقصود منه منع شباب الحزب وكل المخلصين من دروس المساجد، هذا القانون الذي أصدره وزير الداخلية بأمر من كلوب قائد الجيش الأردني آنذاك، عندما تصدى له الحزب لم يُطق النظام في الأردن وقع سيف كلمة الحق هذه عليه، فشن حملات اعتقالات لشباب الحزب، وكذلك حارب الجريدة ولاحق كتابها، حتى إن أعداد الجريدة الصادرة لم تسلم من الملاحقة، بل اعتبرت دليل اتهام ضد من توجد عنده!... وهكذا منعت الجريدة من الصدور بعد العدد الثالث عشر الصادر يوم الأربعاء 29 صفر 1374هـ الموافق 27/10/1954م كما ذكرنا آنفاً.
بعد ذلك حاول الحزب إصدار الجريدة في لبنان فلم يستطع، ولكنه استأجر عدد العطلة الأسبوعية لإحدى الصحف اللبنانية المملوكة لجورج سعادة وأصبح الحزب يكتب فيها باسم "الحضارة" وكانت مدة عقد الإجارة ستة أشهر، وبعد نهاية المدة طلب الحزب تجديد العقد فامتنع صاحبها قائلاً إن المبلغ الذي تقاضاه بدل الإجارة لم يكفه أجرة مواصلات لتنقلاته بين الدوائر الأمنية اللبنانية وبين بيته بسبب اعتراضات الأجهزة الأمنية على ما ينشر في الجريدة! هذا في الوقت الذي كان فيه لبنان يتغنى بحرية التعبير وكان مليئاً بالصحف من كل اتجاه إلا أن النظام ضاق ذرعاً بهذا العدد الأسبوعي، فضيَّق الخناق على صاحب الجريدة ليلغي تأجيرها، وهذا ما كان بعد الأشهر الستة...
ثم تعرض الحزب في أواخر الخمسينات من القرن الماضي والسنوات اللاحقة لحملات ظالمة جائرة ملؤها الحقد والكيد للحزب وشبابه... فترك الحزب محاولات إصدار الجريدة واستغل إمكانياته المتاحة في أعمال الحزب المباشرة الأخرى، وبخاصة وأن وسائل التواصل (الاجتماعي) لم تكن متوفرة كما هي اليوم بحيث يتيسر إصدار أية جريدة من خلال هذه الوسائل دون عناء أمني كما كان يحدث سابقاً... وهكذا استمر الحزب بأعماله الحزبية المعتادة في بناء جسم الحزب وأعمال الرأي العام وطلب النصرة... وأضاف لها في التسعينات وما بعدُ المكاتب الإعلامية ثم الإذاعة والبث المتلفز والمواقع الإعلامية المختلفة... مستفيداً في ذلك من تقنيات الإنترنت الحديثة التي ساعدت في إنشاء الإذاعة والبث المتلفز والمواقع المختلفة.
أما عن استئناف الجريدة فكان الحزب يحب أن تبدأ مع إعلان الخلافة فعلاً، وبخاصة وأنه كان يتراءى للحزب أكثر من مرة وكأنها كادت أن تكون، ولكن كما قال سبحانه: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾... غير أن الحزب وإن لم ينجح حتى الآن في إقامة الخلافة فعلاً، ولكنه بفضل الله قد نجح في إيجاد رأي عام صارخ بالخلافة، وأصبحت مطلباً للمسلمين، كلهم أو جلهم، وبدت الخلافة كأنها قائمة حكماً، فرأى الحزب أن يستأنف إصدار الجريدة سائلاً الله سبحانه أن يكون صدور الجريدة ذكرى عطرة لبداية الصدور، وبشرى سارة تنشرح لها الصدور وذلك بقرب قيام الخلافة فعلاً بعد أن بدت الخلافة كأنها قائمة حكماً.
وفي الختام فقد بذلنا الوسع للعثور على بعض أعداد الجريدة التي نجت من اعتقال السلطات لها في ذلك الوقت أي قبل ستين سنة، وذلك لننقل للقراء بعض ما جاء في تلك الأعداد التي نجت من ظلم تلك السلطات، فعثرنا على بضعة أعداد، منها ما يُقرأ بصعوبة ومنها ما هو مِزق منفصل بعضها عن بعض... ولقد ذكر أحد الإخوة الذي كان يهتم باقتناء تلك الأعداد بأنه كان يحتفظ بنسخ الجريدة، ونتيجة للملاحقات والمضايقات التي كانت تقوم بها الحكومة ضد عناصر حزب التحرير، فقد اضطر لإخفائها في عجلة من أمره دون أن يتيسر لمكان إخفائها وسائل الحماية اللازمة ما تسبب في إتلاف أعداد الصحيفة بعد تلك السنين الطوال... على كل، سننقل لكم إن شاء الله في الأعداد اللاحقة لهذه الجريدة بعض ما أمكننا قراءته مما ورد في تلك الأعداد سالفة الذكر، ولكنني أكتفي الآن بنقل أربعة أخبار:
1- ورد في الصفحة الأولى من العدد الثامن الصادر في يوم الأربعاء 24 محرم 1374هـ الموافق 23/9/1954م مقال تحت هذا العنوان: (أفظع جريمة سيرتكبها السياسيون العرب... الصلح مع "إسرائيل" طعنة نجلاء للأمة الإسلامية... الأمة تعتبر أية تسوية لقضية فلسطين خيانة كبرى...) انتهى
وتفاصيل الخبر طويلة قد ننقلها في الأعداد القادمة إن شاء الله.
2- وفي العدد نفسه ورد في الصفحة الثانية مقال تحت هذا العنوان: (مصر والمساعدات العسكرية: واشنطن- زارت البعثة العسكرية المصرية برئاسة اللواء محمد إبراهيم رئيس أركان حرب الجيش المصري المستر ستيفنس وزير الجيش الأمريكي وجرت محادثات حول موضوع المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر التي جرت محادثات تمهيدية بشأنها بين السفير الأمريكي في القاهرة المستر جيفرسون كافري والمسئولين المصريين) انتهى
3- ورد في الصفحة الأولى العدد الثاني عشر الصادر في يوم الأربعاء 22 صفر 1374هـ الموافق 20/10/1954م ورد ما يلي: (حتى لا يعلم الناس: يحاولون إخفاء الجريمة... سن لويد يطلب العمل للصلح سراً.
لندن- وكالات الأنباء- صرح سن لويد رئيس الوفد البريطاني في الأمم المتحدة رداً على سؤال حول قضية فلسطين في مؤتمر صحفي بقوله:
أنه لن يتم إحراز تقدم في العلاقات بين العرب واليهود إلا إذا وافق الفريقان على الخطوات التي ستتخذ في هذا السبيل.
وقال: إن من بين الصعوبات القائمة في طريق الاتفاق أن نشر المعلومات على الملأ يعني أن كل عابر لهذا الطريق أو ذاك يرفض الاقتراح.
وأظن أن من الأفضل كثيراً أن نحاول العمل بصورة أكثر سرية لنرى لعله بالإمكان إيجاد طريقة من الطرق للتوفيق بين هذه الخلافات.) انتهى
4- ورد في الصفحة الرابعة من العدد الثاني عشر الصادر يوم الأربعاء 22 صفر 1374هـ الموافق 20/10/1954م مقال تحت هذا العنوان: (في مناورة دبلوماسية جديدة... روسيا تعقد اتفاقاً عسكريا مع الصين الشيوعية... رداً على حلف جنوب شرقي آسيا... وتهدف إلى عزل أمريكا عن الشرق الأقصى) انتهى
وتفاصيل الخبر طويلة قد ننقلها في الأعداد القادمة إن شاء الله.
وخاتمة الختام فإني أقرئ قراء جريدة الراية أطيب السلام، وأذكركم وأذكر نفسي بما جاء في وصية رسول الله r لأبي ذر رضي الله عنه قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ... وَأَوْصَانِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَوْصَانِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كنز من كنوز الجنة» أخرجه ابن حبان في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه... واللفظ لابن حبان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأربعاء 04/03/2015م
أخوكم
رأيك في الموضوع